معاهدة السلام مع ايطاليا . الموقعة في باريس 10/2/1947 نصت الفقرة الثالثة من المادة (23) من المعاهدة على ان حكومات الدول الأربع الكبرى المنتصرة (أمريكا وبريطانيا وفرنسا والاتحاد السوفيتي) عليها أن تكون لجنة مشتركة للتصفية النهائية لممتلكات ايطاليا السابقة في افريقيا (ليبيا ــ الصومال ــ ارتريا) خلال عام واحد وقد تنازلت عنها ايطاليا بموجب الفقرة /1/ من المادة 23 من المعاهدة المذكورة .
كما نصت المعاهدة على أنه ( اذا لم تتمكن الدول الأربع من الوصول إلى اتفاق حول تصفية أي من هذه الأراضي خلال سنة من تطبيق معاهدة السلام فان الموضوع يحال إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة لاتخاذ توصية بشأنه وتوافق الدول الأربع على قبول التوصية وعلى اتخاذ التدابير الكفيلة بتطبيقها) .
وبالفعل لم تتمكن الدول الأربع من الوصول إلى اتفاق خلال سنه لذا فقد احيلت قضايا المستعمرات الايطالية إلى الأمم المتحدة في 15/12/1948 .
وفي الدورة الثالثة صوتت الجمعية العامة للأمم المتحدة على عدة اقتراحات بشأن ارتريا من ضمنها اقتراح بتقسيم ارتريا بين السودان واثيوبيا وفشلت جميع تلك المقترحات في الحصول على الأغلبية المطلوبة .
وفي الدورة الرابعة شكلت الأمم المتحدة لجنة لتقصي الحقائق وتقديم توصيات لحل القضية ــ ولكن اللجنة عادت وهي تحمل آراء متناقضة وقدمت مقترحات متعارضة :
- بورما وجنوب افريقيا :
قدما توصية بإقامة اتحاد فدرالي بين ارتريا واثيوبيا .
- النرويج :
قدمت اقتراحات بضم كافة الأراضي الارترية الى اثيوبيا ماعدا الجزء الغربي يظل تحت الإدارة البريطانية .
- غواتيمالا وباكستان :
- قدما اقتراحا بوضع ارتريا تحت وصاية الأمم المتحدة لفترة اقصاها عشر سنوات تحصل بعدها ارتريا على الاستقلال .
وناقشت الأمم المتحدة جميع هذه المقترحات في الدورة الخامسة وبعد مداولات تقدمت 14 دولة في مقدمتها الولايات المتحدة الامريكية بمشروع قرار يقضي بإقامة اتحاد فدرالي بين ارتريا واثيوبيا ونجح القرار رقم 390 أ (5) في 2/12/1950
لقد اعتمد القرار الفدرالي على الاعتبارات التالية :
- رغبات سكان ارتريا ورفاهيتهم وآراء مختلف الفئات وقدرة السكان على حكم أنفسهم بأنفسهم .
- مصالح السلام والأمن في شرق أفريقيا .
- حقوق أثيوبيا وإدعاءاتها المتعلقة بالروابط العرقية والجغرافية والتاريخية والاقتصادية وحاجتها المشروعة لمنفذ إلى البحر .
ولا بد من مناقشة هذه الاعتبارات التي استندت إليها المنظمة الدولية والتي تنطلق من ميثاقها الذي يدعو إلى حق كل الشعوب في الحرية وتقرير المصير وتتبع في أعمالها منهجا يرتكز إلى القانون الدولي وتعبر عن الضمير الانساني .
ففي الحالة الأولى ــ رغبة السكان ورفاهيتهم ــ فان الاسلوب الصحيح والوسيلة العملية لمعرفة تلك الرغبة يكون من الانطلاق من مبدأ حق تقرير المصير وذلك من خلال اجراء استفتاء حر تحت اشراف الأمم المتحدة مباشرة لاستطلاع رغبات الشعب .
وكما ذكرنا سابقا فانه رغم عدم حياد الادارة البريطانية ونتيجة للإرهاب الذي تمارسه اثيوبيا ضد الوطنيين رغم ذلك كله فانه من المفيد ان نستعرض الاحصائيات الرسمية التي قدمت إلى الأمم المتحدة سواء عن طريق لجان التحقيق أو الدول الكبرى نفسها . وفيما يتعلق بتقييم قوة الأحزاب ومدى تأييد السكان لها نقدم الاحصائية التالية لكل من امريكا وبريطانيا من جهة والسوفيتية الفرنسية من جهة ثانية :
- الاحصائية الانجلو ــ أمريكية :
الحزب الاتحادي (الوحدة مع أثيوبيا) 44.8%
العصبة الاسلامية (الاستقلال) 40.5%
الحزب التقدمي الحر (الاستقلال) 4.4%
الحزب الموالي لإيطاليا (وصاية ايطالية) 9.2%
الحزب الوطني الاسلامي (إدارة ايطالية) 1.1%
- الاحصائية السوفيتية الفرنسية :
الحزب الاتحادي 47.8%
العصبة الاسلامية 30.9%
الحزب التقدمي الحر 9.3%
الحزب الموالي لإيطاليا 10.7%
الحزب الوطني الاسلامي 1%
ماذا تعني تلك الأرقام حتى لو افترضنا صحتها وانها غير مجحفة بحق الشعب الارتري ؟
أولاً ــ في الاحصائية الأولى فأن 55.2% من السكان يؤيدون استقلال ارتريا .
ثانياً ــ اما في الاحصائية الثانية فان 51% من السكان ضد الوحدة مع اثيوبيا وان 40.2% من السكان يؤيدون الاستقلال هذا مع العلم أن أحزابا مثل الحزب الموالي لايطاليا والحزب الوطني الاسلامي ايدت فيما بعد استقلال ارتريا على ضوء مواقف ايطاليا الأخيرة فتكون النسبة في الحالة الثانية من الناحية العملية 51% كانوا يؤيدون استقلال ارتريا .
وفي كل الأحوال فان غالبية السكان كانت ترفض اثيوبيا وتريد استقلالها والدول الكبرى كانت تعرف ذلك والأمم المتحدة تعرف ذلك ورغم ذلك كله تغلبت المصالح وذهب الشعب الارتري ضحية للأطماع والاهواء وغياب الضمير الانساني .
أما الاعتبار الثاني والقائل بمصالح الأمن والسلام في شرق افريقيا ــ بمعنى خشية اثيوبيا من عدوان خارجي عليها عبر ارتريا ــ فان جيران اثيوبيا وقتها ــ كالسودان تحت الادارة البريطانية المصرية أو اقليم جيبوتي الواقع تحت الاحتلال الفرنسي ــ لا يمكن أن يشكلا خطرا عليها بالإضافة الى أن السيطرة الاثيوبية على ارتريا لا يمكن ان يدفع عنها عدوانا من قبل قوة عسكرية من خارج افريقيا .
والنتيجة انه لا الأمن ولا السلام استتبا في شرق افريقيا ، ولا اثيوبيا استقر لها مقام والدليل الحرب الطاحنة التي مازالت تدور حتى اليوم في ارتريا .
ولعل الاعتبار الثالث هو أكبر الاعتبارات مدعاة للسخرية ويمثل استخفافا بالعقل ونية مقصودة لتحريف الحقائق والمنطق . فحتى لو صحت ادعاءات اثيوبيا فان بلدا كالسودان يمكن بالمقابل أن يطالب بضم ارتريا أو اجزاء منها وكذلك جيبوتي . والسؤال أين الأصل وأين الفرع ؟ أين المنبع وأين الامتداد ؟ وذلك أن قراءة سريعة في تاريخ المنطقة تسقط تماما كل حجج اثيوبيا التي لا تمثل في حد ذاتها وحدة عرقية بل مجموعة قوميات ذات ثقافات متباينة وديانات متعددة . وبالمنطق الاثيوبي يمكن ان نقسم سويسرا بين المانيا وفرنسا وايطاليا أو يضم إقليم (الوالون البلجيكي) إلى فرنسا لأن سكانه يتكلمون الفرنسية .
أما حتى اثيوبيا (المشروع) في الحصول على منفذ إلى البحر فهذا يعني أن جميع الدول الافريقية التي ليس لها منفذ إلى البحر (13) من حقها أن تطالب بذلك . ولكننا لا ننكر وجود مصالح مشتركة بين الأقطار المجاورة فعقد اتفاقيات اقتصادية أو حتى نوع من التكامل (مصر والسودان) أمر يمكن أن يحدث ، وكذلك قيام اتحاد جمركي أو تسهيلات شبيهة بتلك التي توجد بين دول البينولكس يمكن أن تضمن المصالح المشتركة .
أن صدور القرار الفدرالي كان بداية مأساة الشعب الارتري والتي مازالت مستمرة تحت سمع وبصر الرأي العام العالمي وخاصة الأمم المتحدة .
أن الحكومة الاثيوبية رفضت القرار الفدرالي منذ البداية وادعت انها هي نفسها الحكومة الفدرالية وهكذا بدأت في الغاء القرار الفدرالي خطوة أثر خطوة .
لقد نص القرار الفدرالي على أن ارتريا وحدة ذات حكم ذاتي متحدة مع اثيوبيا وتكوين مجلس اتحاد من عدد متساو من الارتريين والاثيوبيين ويشترك الارتريون في الأجهزة التنفيذية والقضائية في الحكومة الاتحادية اما في الجهاز التشريعي فيشتركون فيه حسب نسبتهم إلى مجموع سكان الاتحاد اي نسبة العشر تقريباً .
وحدد القرار الفدرالي اختصاصات الحكومة الفدرالية بالإشراف على شؤون الدفاع والخارجية والمالية والتجارة الخارجية .
ولكن اثيوبيا ومن خلال ممثل الامبراطور المقيم في اسمرا بدأت تتدخل في الشئون الداخلية لأرتريا ابتداء بالتأثير على أعضاء الجمعية التشريعية الارترية لاختيار رئيس الحكومة الذي يمكن أن ينفذ السياسة الاثيوبية وانتهاء بإنزال العلم الارتري عام 1958 مرورا بإلغاء الشارات والاختام الارترية وإلغاء اللغتين العربية والتجرنية .
هذا علاوة على الإجراءات القمعية ضد كل صور الاحتجاج من جانب الافراد والهيئات والاغتيال والسجن لقيادات الحركة الوطنية .